لا شك ان الحديث عن امرأة سعودية ، تعيش في اسرائيل ، وباتت اليوم تحمل الهوية الاسرائيلية ايضا ، هو امر غير عادي وفيه الكثير من التحدي ، ولكن بالنسبة ليوسف والاء كل شيء اصبح واقعا وحقيقيا ، بعدما اجتازا سوية كافة الحواجز والصعوبات ودافعا بشدة عن علاقتهما ولم يسمحا لاي شيء ان يهدمها . تعرفنا الاء في السطور القليلة القادمة على نفسها وعلى عائلتها في جدة وعائلتها في الطيرة ، قائلة :"انا الاء خلف من جدة في المملكة العربية السعودية ، وحضرت الى عائلة زوجي يوسف في الطيرة وهي عائلة عبد الفتاح سمارة". وتمضي الاء في حديثها قائلة :" نجحت حديثا في امتحان الصيدلة النهائي وحصلت على رخصة لمزاولة مهنة الصيدلة وانا وابحث حاليا عن عمل في مجال تخصصي" . سألت الاء ان كانت تشعر بانها تنازلت عن امور معينة كونها قررت القدوم الى اسرائيل والعيش هنا ، فردت قائلة :" لا انا لم اتنازل عن شيء ، ربما العادات في بلادي ليست كما هي هنا ، ولكن يجب على الانسان ان يتأقلم لكي يعرف كيف يعيش . ربما اكون قد ضحيت بأهلي وانني لن اراهم ولكن كنت بين نارين كوني تعرفت على يوسف وعرفت اخلاقه الحميدة وعرفت عائلته ، وفي النهاية على الانسان ان يضحي بشيء . الحمد لله انا ارى اهلي في الاردن في كل صيف ، واتحدث اليهم بالهاتف وأتواصل معهم عبر الانترنت ، صحيح ان الوضع صعب وان الانسان بحاجة لرؤية اهله الا انني اعتدت على هذا الامر" . كيف شعرت عندما حزمت حقائبك تاركة غرفتك في البيت ، استعدادا للانتقال الى الطيرة ؟ اصعب لحظة في حياتي هذه اللحظة ، كانت لحظة صعبة جدا ، وعندما رافقني والدي ووالدتي الى المطار ، هذا الشيء كان صعبا لا انساه ، حتى ان والدتي لم يكن بامكانها الوقوف على قدميها لشدة تأثرها ومن كثرة البكاء ، وانا كذلك كان موقفي صعبا جدا .
تعترف الاء خلف - سمارة ، ان مخاوفا كثيرة راودتها قبل القدوم الى البلاد ، خاصة ما يتعلق بالصورة التي رسمتها في ذهنها لاسرائيل ، وكل ما يتعلق بالوضع غير المستقر وغير الآمن . تقول الاء :" في البداية كنت اخاف مما اسمع واعرف عن اسرائيل ، كان كل ما يخطر في بالي هنا هو الحرب وكل الامور التي كنت اراها على شاشة التلفاز ، حتى طريقة العيش لم اكن اعرف كيف هي ، وكنت ارسم شيئا ما في خيالي ووجدت شيئا اخر مختلفا تماما ، بلدة لا اعرفها ، ولكن الحمد لله ليس كما كنت اتصور . كنت اتصور حالة حرب ويهود ومشاكل ، ولكن تبيّن لي غير ذلك ، حتى ان اهلي في السعودية والمواطنين السعوديين يعتقدون كما كنت اعتقد ولكن انا اخبرتهم بطبيعة الحياة هنا وكيف هو شكلها ، وبدأوا يأخذون المعلومات عن المعيشة هنا مني" .
"انا غريبة لكن لا اشعر بالغربة "
اذا جربتم البحث عن كلمة غربة في قاموس الاء فلن تجدونها ، لان الاء ورغم كونها تعيش في الغربة ، بعيدا عن اهلها وبيتها ووطنها ، الا انها لا تشعر بالغربة ، على العكس تماما ، فهي تؤكد بانها تعيش وسط اهلها . تقول الاء :" صحيح انني ابتعدت عن اهلي الا ان الله عوضني ببيت عمي ، فهم لا يقصّرون معي بتاتا وكل ما اطلبه اجده ، وهم بمثابة والدي ووالدتي واشكوهم همي ومشاكلي ، وكما قلت انني ابتعدت عن اهلي الا ان الله عوضني بأهل اخرين". وتابعت الاء قائلة :" انهم يهتمون بي كثيرا ، عمي وخالتي لا يحبان ان يلمحاني متضايقة ابدا ، وهما يتعاطفان معي ، واذا واجهتني مشاكل او تضايقت من شيء اقول لهما وهما يحلان لي كل المشاكل ولا يقصران بي ويهتمان بشؤوني " . اذن انت سعيدة هنا . "الحمد لله ، بصراحة انا سعيدة جدا. العائلة هنا مترابطة وكأنهم عائلة واحدة وانا لا اشعر هنا بالغربة ابدا ". ما هو اكثر شيء لفت انتباهك في الطيرة وفي البلاد عامة ؟ الترابط بين الناس ، وهذا ما لا نجده في السعودية ، هناك كل شخص في حاله ولا احد يعرف الاخر ، بينما هنا الترابط موجود ، واذا حدثت مناسبة ما تجد الكل يذهب اليها ، سواء في الافراح او الاحزان ، وفي السعودية هذا الامر غير موجود ،حيث لا يوجد ترابط بين الناس ، ولا نعرف اي شيء حتى عن جارنا ، بينما هنا الترابط موجود ، وهذا شيء جميل .
المقارنة بين مدينة جدة الكبيرة ومدينة الطيرة الصغيرة
هل اجريت مقارنة او حاولت اجراء مقارنة بينك وبين نفسك بين المدينة الكبيرة جدة التي نشأت وترعرعت وكبرت فيها وبين الطيرة التي قررت ان تواصلي عيشك فيها ؟
اول ما حضرت الى هنا قمت بهذه المقارنة ، حيث خرجت في السيارة واكتشفت امورا كثيرة ، جدة مدينة كبيرة والطيرة صغيرة ، لكن هناك اختلافات بين البلدين ، واكثر ما لفت انتباهي هو الترابط القائم بين الناس هنا ... كما وانك ترى بان جميع الناس هنا يدا واحدة .
تشعر الاء بشوق كبير الى اهلها ، كما وتشعر بحنينها الى غرفتها والى الحارة التي كبرت فيها . تقول الاء ، ردا على سؤالنا عن اكثر ما تحن اليه في عروس البحر الاحمر - جدة ، قائلة :"اكثر ما اشتاق اليه هو بيتنا واهلي وغرفتي واشتاق للحارة ، اشتاق الى الاجواء هناك ، واشتاق الى اخوالي الذين يسكن جميعهم في السعودية. انا ارى اهلي في الاردن لكنني لا ارى اخوالي منذ ان خرجت من السعودية . اشتاق اليهم كثيرا واحيانا اتحدث اليهم بالهاتف ولكن اشتاق الى رؤيتهم".
متى قمت بزيارة الى جدة اخر مرة ؟
اخر مرة زرت فيها جدة كانت قبل سنتين ، قبل الزواج وقبل ان احضر الى هنا ، ودعت جدة جيدا حيث كنت هناك لمدة اربعة اشهر .
هل كان لديك شعور عندما ودعت جدة انك لن تعودي اليها ؟
نعم ، حتى انني كنت ابكي طيلة الوقت ، اذ من الصعب جدا علي ان اترك المكان الذي ولدت فيه . يوسف انسان جيد وشعرت انه بالفعل يريدني وكان متفوقا في الجامعة وكان واضحا انه انسان جدي احبني بصدق وأرادني زوجة له ، وأحببنا بعضنا هناك في الاردن واضطررت للتضحية .
" احب بحر جدة "
ما هي الامور التي تحبين ان تتحدثي عنها في جدة وستبقى راسخة على جدران ذاكرتك ؟
احب البحر في جدة ، كورنيش جدة جميل جدا . اجمل الجلسات تكون في وقت المغرب في الصيف ، طيلة السنة الطقس حار في جدة فنادرا ما تسقط الامطار هناك ، ولكن هنا ترى جميع الفصول . هل كان تأقلمك مع الواقع الجديد سريعا ؟ تأقلمت بسرعة والحمد لله ، مع انني لم اكن اشعر انني سأتأقلم بهذه السرعة لانني اعرف شخصيتي ، فانا من النوع الخجول وأخاف ايضا ، ولكن عندما حضرت الى هنا تأقلمت بسرعة لان العائلة استقبلتني بحفاوة وهذا ما جعلني اتأقلم بسرعة ، حتى ان زوجي استغرب من تأقلمي السريع. الناس هنا جيدون ، وعندما يعرفون انني غريبة ، اشعر انهم يتعاملون معي بشكل مختلف ... وكلهم يريدون ان يتعرفوا عليّ ومنهم من يستقبلني في بيته .
كيف تقيّمين تجربة العيش هنا بعد الاقامة سنتين في الطيرة ؟
الحمد لله للاحسن وكلما مرت فترة اشعر بشكل افضل ، صراحة انا احببت العيش هنا ، رغم انني من النوع الذي يخاف كثيرا .
انا لم اكن اتصور ان اصل الى هذه الدرجة من التأقلم ، فانا اخجل وأخاف كثيرا . حتى انني اخاف من الدجاج والقطط والفراش والكلاب ، ففي السعودية لا نحتك بالحيوانات ولا نلمسها ، وفقط نراها في حديقة الحيوانات وانا اربي ابنتي على ان تلمس الحيوانات ، فالرفق بالحيوانات شيء جميل .
ما هي اجمل الاماكن التي زرتها في اسرائيل ؟
يافا لان امي من يافا ، وعندما اذهب الى هناك اشعر بأمي ، وكلما اتحدث اليها تذكرني بان بيتها بالقرب من الساعة ، وكلما اذهب الى يافا واكون بالقرب من الساعة ، اتصل اليها وأخبرها انني بالقرب من الساعة .
"مواطنة اسرائيلية بشرطين "
معروف ان موضوع الهوية موضوع شائك في اسرائيل ، فكيف كان مشوارك بالحصول على الهوية الاسرائيلية ؟ اوكلنا محاميا يهوديا ، ووقف معنا من اول المشوار وتم اصدار هوية لي بعد ستة شهور ، والمحامي كان ممتازا ، وقد دلوني عليه من وزارة الداخلية . انا مواطنة اسرائيلية ولكن ممنوع ان انتخب او ارشح نفسي .
كيف تقضين وقتك ،الى حين تجدين مكان عمل ؟
ابقى في بيت عمي ، يخرج يوسف الى العمل وابدأ بالاعمال المنزلية ، وانهي عملي في البيت واذهب الى بيت عمي لتناول الغداء وانتظر يوسف عندما يأتي ومن ثم يذهب للوردية الثانية فيما أبقى وابنتي في بيت عمي ، واذهب ايضا الى اعمام يوسف فهم جيراننا ، اجلس مع بنات عمه فهن من اجيالي ونتسلى معا ونتحدث سوية ، نتجول في الطيرة ونذهب الى كفار سابا للتسوق . الكبسة والرز البرياني ... اكلتان سعوديتان مشهورتان
تصطحبنا الاء الى جولة في المطبخ السعودي ، وتحدثنا ردا على سؤالنا ان كانت تمارس طهي الاكلات السعودية ، وان كان ثمة فروقات في الاكلات ، قائلة :" انا احضّر الفطور ، ولكن الغداء نتناوله في بيت عمي . بالنسبة للاكلات ، ففي السعودية هناك الكبسة السعودية ، وهناك طبخات اجنبية نظرا لوجود الاجانب بكثرة هناك ، ولكن الاكلة المشهورة في السعودية هي الكبسة والرز البرياني . ايهما الذ الطبخات هنا ام الطبخات السعودية ؟ الطبخات هنا لذيذة ، والطبخات هناك ايضا لذيذة .
هل الاختلاف كبير بين المجتمع العربي المحلي هنا وبين المجتمع السعودي ، من ناحية العادات والتقاليد وغيرها ؟ هناك فرق ، فهنا يعيشون على البساطة وخاصة في الاعراس ، بينما في السعودية اهم شيء الفخامة في اعراسهم هذا الفرق في الاعراس . ومن ناحية اللباس يختلف ، فمثلا هناك لبس العباءة من العادات والتقاليد ، هناك الكثير من الامور ، مثل اللغة ، فهناك اللغة العربية والانجليزية هما اللغتان الدارجتان بينما هنا اللغة العبرية الى جانب العربية ، ما يشكل صعوبة بالنسبة لي .
بماذا تحلمين ؟
ان يوفقني الله في حياتي وأبقى سعيدة في حياتي هنا ، واحب ان اكمل دراستي . واهم شيء السلام بين اسرائيل والسعودية كي نتمكن من رؤيتهم ، لان هذا مشكلة فكلما اردت ان اراهم يكون ذلك في الاردن في كل سنة ، وعندما يتم السلام يستطيع الانسان الحضور بحرية متى شاء .
هل من الممكن ان نراك معتمرة او حاجة من اجل العودة الى جدة ؟
ان شاء الله . حتى انني تحدثت مع صديقاتي وطرحنا فكرة العمرة ، فقلت لهن لم لا ، نعتمر وانتهز الفرصة لرؤية اهلي ايضا .
( التقرير مقتبس عن صحيفة بانوراما )