كتبت بدرية البشر مقالا تحت عنوان "المعروف في خطر" سردت فيه ممارسات هيئة الأمر بالمعروف بالسعودية بحق العائلات.. وتقول ان الكثير من المتزوجين يواجهون أسئلة شخصية حين يقعون بيد اعضاء الهيئة. وهذا نص المقال
بالكاد نشرت مقالاً عن رجل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فجاءت حادثة رجال الهيئة في بلجرشي التي أسفرت عن موت رب عائلة وإصابة بقية العائلة بإصابات خطرة. في الحادثة الأولى خرج موظف في مستشفى، وخرج مصطحباً زوجته الحامل، وركبا السيارة وهي تغطي كامل وجهها وجسمها، فوجد رجل هيئة يدق نافذته ويسأله: من المرأة التي معك؟ ووفقاً لهذا المشهد هناك ملايين الأزواج السعوديين الذين يظهرون يومياً بهذه الصورة، فهل يلزم كل من يسير بجانب امرأة أن يثبت أنها زوجته أو أخته؟ وبالمناسبة فإن ابن الخال وابن العم يقعان في قائمة الحظر، لمرافقة المرأة، فالهيئة لا تعترف إلا بقرابة ولي الأمر، والغريب أن السائق الفلبيني مسموح له أن يوجد مع النساء، ربما هو يدخل في خانة الخدم. موظف الهيئة لا يطلب من الرجل المشتبه به بصحبة امرأة أوراقه الشخصية التي تثبت قرابتها، ولا يطلب من المرأة إثبات شخصيتها أو بأنها الزوجة، ورغم ما في هذه المهمة من مشقة أن تكون مستعداً على الدوام لرجال هيئة يوقفونك في الطريق، يتحققون من هويتك وهوية من معك، إلا أن الهيئة ترفض حتى هذا الإجراء، وكأنها تعيش في عصر ما قبل الدولة، بل هي ترفض أن تعيش وفق نظام الدولة، وتراه قانوناً مدنياً يخالف الدين، فكثير من موظفي المؤسسات الدينية يتملكهم الغضب إذا ما مدت المرأة التي أمامهم بطاقتها المدنية، وصورتها عليها لم تطمس بلاصق، ويرفضون طبعاً النظر في وجه المرأة في البطاقة، فما الفائدة طالما أن وجهها محجوب بغطاء، وتبعاً لهذا يعتبرون الأوراق الثبوتية التي تصدرها الدوائر الأمنية التابعة للدولة لا طائل منها، لهذا يتجهون مباشرة لمنهجهم المجرب، منهج الشك ثم فصل الطرفين عن بعضهما والتحقق من صدقهما، المرأة تنتحي جانباً بصحبة رجل هيئة وولي أمرها جانباً آخر. يواجهان أسئلة ذكية من نوع، متى تزوجتم؟ ما لون ثلاجتم وغسالتكم؟ ما أسماء أخوة الزوج؟ إلخ، والطريف أن رجل الهيئة يرفض أي جواب يهين ذكاءه. حدثتني سيدة أنها أجابت بأنها تزوجت في العاشر من شهر يناير، فذلك التاريخ أسهل لديها للحفظ، فثاروا في وجهها، فظنت أنها قد أخطأت في التاريخ، لكنهم وبّخوها لأنها لا تستخدم التاريخ الهجري. الذي لم أقله لكم إن حادثة موظف المستشفى انتهت بشكل عنيف، تبادل فيه الطرفان التهديد، لكن ما تحفظت عليه أظهرته حادثة بلجرشي. فالمطاردة المتهورة بين رجال الهيئة ورجل بلجرشي انتهت بموت الأب، ومن لمْ يمت رقد في المستشفى في حالة خطرة. المطاردة سببها - بحسب وصف الزوجة - صوت مسجل، تقول الزوجة إنه لم يكن مرتفعاً، لكن يبدو أن رجال الهيئة وجدوا أن من المهين أن يترك المرء صوت المسجل مفتوحاً حين يقف بحضرة رجال الهيئة، فهذا إهانة لحضورهم المتكلف بالسلطة، ولو اعتبرنا أنه من سوء الأدب ما فعله الرجل فإن الثمن ليس بالتأكيد روح إنسان ومطاردة.
رئيس الهيئة الجديد يجد نفسه على ما يبدو حائراً بين جناحين، جناح - يعضده بعض الشيوخ المشهورين - يريد أن تطلق أيدي وأفئدة وألسنة المحتسبين في الأسواق والمهرجانات والسيارات وحتى بالمطاردات، لأن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم ومسلمة، وجناح آخر يطلب تقييد هذه المهمة واعتبارها عملاً مؤسساتياً، ترسمه الحكومة وتضبطه وتقوم به أجهزة الدولة وتحاسب أخطاءه وتجاوزاته.
لكن الأهم من كل هذا، الذي كلما فتحنا فمنا هاج بعض الناس علينا، هو تحديد مفهوم هذه الشعيرة التي لم ترقَ بعد عند القائمين بها عن شبهات في رفقة بين زوجين في سيارة وصوت مسجل وفتاة تضع مناكير؟ والأهم من هذا أين المعروف يا جماعة المعروف؟ وهل المطاردة التي بدأت بسبب صوت المسجل، وانتهت بسيارة معجونة وسط جرف أنجبت لنا المعروف، الذي كان رجال الهيئة يهدفون لحمايته؟ إذن يا سادة معروفنا في خطر.