: تكشف الوثاق البريطانية عن بعض تفاصيل الحياة في الامارات قبيل الوحدة، وتؤكد دعم المملكة العربية السعودية آنذاك للقرار التاريخي الذي تبناه الشيخ زايد بن سلطان، مشيرة إلى أن حالة من الاستياء كانت تسود في أبو ظبي، الأمر الذي شجّع السكان آنذاك للموافقة على الوحدة.
ويقول المقيم السياسي لمملكة بريطانيا السير "وليام لوس" في تقرير له عن ابوظبي في 26 اكتوبر عام 1964، "لقد حدثت في عام 1964 اضطرابات في مدينة ابوظبي ابان حكم (الشيخ شخبوط بن سلطان)، وجاءت اكثر الشكاوى جهارا من التجار وسائقي سيارات الاجرة في المدينة الذين يشكلون على العموم الافراد الاكثر ذكاءا وقدرة على التعبير في المجتمع، حيث كان هؤلاء جميعهم من المواطنين الاماراتيين في تلك الفترة".
ويضيف: "جاءت تلك الاضطرابات لان الشيخ شخبوط لم يكن ينفق في تلك الفترة الا قليل جدا على الناس، وما كان يتوفر من المال هو قليل جدا، كما ترفض البنوك منح المزيد من القروض للمواطنين، وكانت الاعمال التجارية شبه متوقفة في تلك الفترة".
وأشار "لوس" إلى أنه في بداية الستينيات كان الاستياء يعم جميع فئات المجتمع، ومن اللافت للنظر ملاحظة مدى استعداد الناس في تلك الفترة للتعبير عن انتقادهم للحاكم علانية وبوجه خاص عندما اوقف الشيخ شخبوط مشروع الطاقة الكهربائية الذي كان ينتظره الناس بفارغ الصبر وكان من الممكن ان يقدم فوائد عظيمة لابوظبي".
ويتابع "قد حدث بعد ذلك رد فعل عدائي جدا.. ويؤسفني القول ان حكومة صاحبة الجلالة (بريطانيا) تتعرض ايضا للانتقاد بسبب عدم تأثيرها على الشيخ شخبوط لكي يسير في اتجاه بناء.. ولم تعد مقولة عدم مسؤوليتنا عن الشؤون الداخلية تجدي نفعا لا في ابوظبي ولا في سواها".
واوضح انه "في الحقيقة يبدو ان هناك اعتقادا واسعا من قبل الناس باننا (بريطانيا) نشجع شخبوط على عدم انفاق المال على شعبه لغرض خفي خاص بنا، وربما لكي يتم استثمار اكبر قدر ممكن من ماله في البنوك المملوكة لبريطانيا.. فلذلك كان هناك ايمان كبير بدعوة الشيخ زايد بن سلطان لما اتى بفكرة الاتحاد بين الامارات السبع وهذه الدعوة كانت احد الاسباب المهمة التي جمعت القلوب حوله.. ويوجد في الوثائق البريطانية اشارات كثيرة حول هذا الموضوع".
وفي سياق متصل تساءل البريطاني "باتريك غوردان ووكر" في تقرير له حول أبوظبي في 22 ديسمبر 1964، "عما اذا كانت هناك اي ضمانة في حال مجيء الشيخ زايد كحاكم على استعداده لأن يكون اكثر تقبلا للاتحاد ولاقتسام عائدات ابوظبي النفطية مع الامارات الاخرى؟. فالمشاركة في السلطة والمال ليست مسالة سهلة بالنسبة لاي حاكم عربي".
ونقل "ووكر" عن سير "وليام لوس" قوله "انه خلال اجتماعه الاخير مع الشيخ زايد في عام 1964 (اكد له الشيخ زايد انه يعتبر الاتحاد ضرورة وانه ينبغي على ابوظبي تقديم الاموال اللازمة).. وانه يمكن اقناع الشيخ زايد بتقديم نسبة تصل الى 10% من العائدات النفطية لابوظبي لما فيه مصلحة الامارات المتصالحة الاخرى التي كانت تسمى بالمتصالحة قبل الاتحاد، وهو متاكد من انه ما دام الشيخ شخبوط حاكما يظل الاتحاد الذي يضم ابوظبي التي تشكل الامارة الوحيدة ذات العوائد النفطية الكبيرة مسالة غير واردة، وليس هناك بوادر على استعداده شخبوط لتقديم اي مساعدات للامارات الاخرى، وهناك بالطبع عوائق اخرى تقف في طريق الاتحاد بما في ذلك النزاعات بين الحكام الاخرين".
واضاف "لوس" انه "علينا على اية حال ان نسير بحذر شديد لتفادي حدوث اي نزاع علني مع المملكة العربية السعودية التي لا تزال تطالب بأراضٍ تابعة لابوظبي وافضل سبيل نسلكه هو المضي قدما في بناء الخدمات المشتركة للامارات، والا نتقدم علانية في الوقت الراهن بخطة رسمية للاتحاد يمكن ان تثير مشاعر العداء وتزيد من صعوبة تحقيق الالتحام بين اجزاء المنطقة".
كان البريطانيون رغم ترحيبهم بفكرة اتحاد الامارات يخافون من معارضة السعودية ولكن الراحل الشيخ زايد بن سلطان كان يعتقد ان هذا وهم كبير وفي زيارة له للملك فيصل بحث هذا الامر معه ووجد كل ترحيب من المملكة باتحاد الامارات.
وفي هذا السياق اشار المقيم السياسي لصاحبة الجلالة السير البريطاني "وليام لوس" في تقريره عام 1964 الى انه "لدى عودة حاكم الشارقة في ذلك الوقت من زيارة قام بها الى الرياض ابلغ المعتمد السياسي البريطاني في دبي ان الملك فيصل عرض العمل على انشاء طريق من الدوحة الى ساحل الباطنة في سلطنة عمان، وانه سيطلب من قطر وابوظبي تسديد تكلفة القطاعين الخاصين بهما، بينما تمول السعودية القطاع الممتد من دبي الى الباطنة.. كما تساءل الملك فيصل عما اذا كان البريطانيون قد يعترضون على ذلك فتعهد الحاكم باستشارتنا".
ولفت لوس الى انه "لدى عودة الشيخ زايد من الرياض في عام 1964 ابلغ المعتمد السياسي ان الملك فيصل اعرب عن امله في ان تقيم ابوظبي وحدة وثيقة مع الامارات المتصالحة الاخرى".
واوضح السير البريطاني وليام لوس في تقريره "1964" ان "الشارقة ودبي وراس الخيمة بدات تمتلك مدارس بدائية وقد بذل حاكم الشارقة في تلك الفترة بعض الجهود الغير فعالة لتحسين خور الشارقة ولم يتم فعل اي شيء في اماكن اخرى.. كما ان الحكومة البريطانية التي كانت متواجدة في الهند والتي تتبع سياسة عدم التدخل في الساحل المتصالح لم تفعل شيئا اكثر من افتتاح مستوصف في دبي عام 1939 وتقديم خدمات طبيب مساعد".
وتابع: "لقد ساهمت حكومة صاحبة الجلالة في تكلفة هذا الاجراء ولكن باستثناء ذلك لم يتم توفير اموال من اجل التنمية المحلية حتى عام 1953.. غير انه خلال الحرب العالمية الثانية تم جمع اموال من المساهمات التي قدمها الحكام والتجار، ومن الارباح على بيع الحبوب وغيرها من السلع الى السكان المحليين من اجل انشاء مستشفى في دبي، وتم الاستعانة بطبيب بريطاني عام 1949 وافتتح المستشفى عام 1951".
ونوه لوس انه "في نهاية عام 1952 ونظرا للدعاية التي بثها السعوديون فيما يتعلق بنواياهم بايصال مزايا التعليم والتنمية الزراعية وما شابه ذلك الى منطقة العين.. اوصى المقيم السياسي في دبي (المندوب السامي البريطاني) بوجوب قيام حكومة صاحبة الجلالة ببناء مدارس في الشارقة ودبي، ودفع تكلفة دراسة مسحية للموارد المائية في الامارات. وقوبلت هذه المقترحات من حيث المبدأ ومن ضمنها طلب من جمعية الصليب الاحمر المساعدة على تحسين المرافق الصحية ووجوب تقديم بعض المساهمات المالية لاجراء عملية مسح لخور دبي. واجرى العقيد البريطاني (مريليز) عملية المسح المائية في عام 1953. وذلك حتى يتم البدء في عملية بناء البنية التحتية في دبي لان الناس كانت تنقل المياه الى منازلها عبر البغال".
وكشف عن ان "نتائج ذلك كانت مشجعة، وفيما بعد اعطيت الموافقة على انفاق مبلغ 20 الف جنيه استرليني لحفر الابار، ومبلغ 2900 جنيه استرليني لاجراء عمليتي مسح لخور دبي والشارقة. وتعهدت جمعية الصليب الاحمر بارسال مستوصف نقال الى دبي، ولكنه لم يبصر النور بحلول نهاية عام 1953. وذلك لاسباب نقص في الموارد المالية في ذلك الوقت